الكشف عن سبب أزمة الودائع التي يعيشها البنك الأهلي السعودي والتي كشفت عنها القوائم المالية الأخيرة للبنك

البنك الاهلي التجاري
  • آخر تحديث

شهد البنك الأهلي السعودي، أحد أكبر البنوك في المملكة العربية السعودية، تباطؤاً في نمو ودائع العملاء خلال الربع الثالث من عام 2023، وهو ما أثار اهتمام المحللين الماليين والمستثمرين في السوق المصرفية. ورغم أن ودائع العملاء لا تزال عند مستويات عالية، إلا أن معدل النمو قد تراجع بشكل ملحوظ مقارنة بالفترات السابقة، وهو ما يتطلب توضيح الأسباب وتقديم تفسيرات من جهات متخصصة في الشؤون المالية والمصرفية.

وفي هذا السياق، أوضح المستشار المالي خالد الزايدي أن تباطؤ نمو ودائع العملاء في البنك الأهلي السعودي يُعزى إلى وصول الودائع إلى أعلى مستوى لها في تاريخ البنك، مما جعل من الصعب تسجيل نمو بنسبة مئوية كبيرة عند مقارنة الودائع الحالية بالمستويات السابقة. ويرى الزايدي أن هذا الوضع طبيعي ويمكن تفسيره من خلال عدة عوامل ترتبط بسوق المصارف والتغيرات الاقتصادية، بالإضافة إلى السياسة النقدية في المملكة.

 أسباب وصول ودائع العملاء إلى مستويات مرتفعة 

تعتبر ودائع العملاء أحد المؤشرات الرئيسية التي تدل على قوة البنك ومكانته في السوق. وقد شهد البنك الأهلي السعودي خلال السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً في ودائع العملاء، وهو ما يمكن إرجاعه إلى مجموعة من العوامل الأساسية:

1. ثقة العملاء العالية: يتمتع البنك الأهلي السعودي بثقة كبيرة من قبل العملاء، نظراً لتاريخه الطويل وخدماته المصرفية المتميزة، مما أدى إلى زيادة كبيرة في حجم الودائع. 2. ارتفاع العائدات على الودائع: مع ارتفاع أسعار الفائدة، أصبحت الودائع البنكية أكثر جاذبية للمستثمرين، الذين يسعون إلى تحقيق عوائد آمنة ومستقرة. 3. توسع الأنشطة الاقتصادية: ساهمت التطورات الاقتصادية التي شهدتها المملكة ضمن رؤية 2030 في زيادة النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات الادخار، ما انعكس إيجاباً على حجم الودائع البنكية. 4. تنوع المنتجات المصرفية: قدم البنك الأهلي مجموعة واسعة من المنتجات المصرفية التي جذبت فئات متنوعة من العملاء، بما في ذلك الحسابات الجارية، وحسابات التوفير، وشهادات الادخار.

 تحديات نمو الودائع كنسبة مئوية في المرحلة الحالية

أوضح خالد الزايدي أن هناك صعوبة في تسجيل نمو كبير في نسبة ودائع العملاء عندما تكون الودائع قد وصلت بالفعل إلى مستويات تاريخية مرتفعة. فعند تحقيق مستويات عالية من الودائع، يتطلب أي ارتفاع في النسبة تحقيق نمو فعلي أكبر من حيث المبالغ المودعة. وهذا يعني أن التحديات تكمن في محاولة الحفاظ على نمو مستدام في بيئة اقتصادية قد تكون متغيرة، خاصة مع التقلبات في أسعار الفائدة وتوجهات السياسات النقدية.

 تأثيرات السياسة النقدية وبيئة الاقتصاد الكلي

تؤثر السياسة النقدية بشكل مباشر على القطاع المصرفي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأسعار الفائدة. فقد شهدت الأسواق العالمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، تغييرات في أسعار الفائدة نتيجة لتحركات البنوك المركزية للسيطرة على معدلات التضخم. وقد أدى ذلك إلى تغيرات في سلوك العملاء تجاه الإيداع والاقتراض:

1. ارتفاع أسعار الفائدة: عندما ترتفع أسعار الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالودائع في البنوك أكثر جاذبية للمستثمرين، مما قد يرفع من حجم الودائع ولكنه في نفس الوقت قد يحد من القدرة على تحقيق نسب نمو عالية كما كان يحدث في الفترات السابقة ذات أسعار الفائدة المنخفضة. 2. التوجه نحو استثمارات بديلة: مع ارتفاع العائدات على الأصول المالية الأخرى مثل الأسهم والسندات، قد يميل العملاء إلى توزيع أموالهم بين الودائع المصرفية والاستثمارات ذات العوائد المرتفعة، مما يقلل من معدل نمو الودائع البنكية. 3. التضخم وانعكاساته على الادخار: عندما يكون معدل التضخم مرتفعاً، قد يؤدي ذلك إلى تراجع قيمة المدخرات النقدية بمرور الوقت، مما يجعل العملاء أكثر ميلاً لاستخدام أموالهم في استثمارات أخرى، عوضاً عن الاحتفاظ بها كودائع.

 أهمية استمرار الحفاظ على مستويات الودائع المرتفعة

رغم تباطؤ النمو في ودائع العملاء كنسبة مئوية، لا يزال البنك الأهلي السعودي في وضع مالي قوي بفضل مستويات الودائع العالية. فالحفاظ على ودائع مرتفعة يوفر للبنك سيولة مالية كبيرة تساعده على تمويل عمليات الإقراض والاستثمار في مشاريع متنوعة، مما يعزز من قدرته على التوسع وتحقيق أرباح مستدامة. 

وأشار الزايدي إلى أن تحقيق التوازن بين الحفاظ على مستويات الودائع المرتفعة وتقديم منتجات مصرفية جديدة قد يساهم في تحفيز العملاء على زيادة ودائعهم، حتى وإن كان ذلك بمعدلات نمو أبطأ مقارنة بالفترات السابقة.

 توقعات الفترة القادمة: استراتيجيات تحفيز النمو

يرى بعض المحللين الماليين أن البنوك السعودية بشكل عام، بما في ذلك البنك الأهلي، قد تتبنى استراتيجيات جديدة تهدف إلى تحفيز نمو ودائع العملاء من خلال إطلاق منتجات جديدة أو تعديل سياسات الفائدة على الحسابات المصرفية. ومن بين هذه الاستراتيجيات الممكنة:

1. تقديم عوائد أعلى على الودائع طويلة الأجل: يمكن للبنك جذب المزيد من الودائع من خلال تقديم عوائد تنافسية على الشهادات الادخارية والحسابات طويلة الأجل. 2. إطلاق حملات ترويجية لزيادة المدخرات: تنظيم حملات لزيادة الوعي بأهمية الادخار والاستثمار، مما قد يشجع العملاء على زيادة ودائعهم. 3. تنويع المنتجات المصرفية: تقديم منتجات جديدة تناسب مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، لجذب شريحة أوسع من العملاء. 4. تعزيز التحول الرقمي: تطوير الخدمات الرقمية يمكن أن يسهل على العملاء إدارة حساباتهم وزيادة ودائعهم، خاصة مع تزايد الإقبال على الخدمات المصرفية الإلكترونية.

وبالرغم من تباطؤ نمو ودائع العملاء كنسبة مئوية، فإن البنك الأهلي السعودي لا يزال يحتفظ بمكانة قوية في القطاع المصرفي، حيث تتجاوز ودائع العملاء المستويات التاريخية. ويُعد هذا مؤشراً إيجابياً على ثقة العملاء بالبنك وقدرته على تقديم خدمات مصرفية موثوقة. كما أن التحديات التي يواجهها البنك تعتبر طبيعية في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية.